أثارت تحفة نحتية ضخمة نصب أمام بوابة طريق مصر–إسكندرية الصحراوي على بعد أمتار من الواجهة الرئيسية للمتحف المصري الكبير إعجاب ملايين المصريين ورواد مواقع التواصل الاجتماعي، قبل انطلاق حفل الافتتاح التاريخي للمتحف.

يبلغ ارتفاع التمثال حوالي 27.5 متراً ويجسد الهوية الفنية المصرية باندماج متناغم بين الاستلهام الفرعوني والعناصر الهندسية الحديثة، وهو من تصميم الدكتور ضياء عوض، أستاذ النحت بكلية الفنون الجميلة جامعة المنيا، تحت إشراف رئاسة مجلس الوزراء ومحافظة الجيزة.

خلفية المشروع وتداعياته الثقافية
انطلقت فكرة التمثال قبل عامين كجزء من الاستعدادات لإتمام مشروع المتحف المصري الكبير، الذي يُعدّ أكبر متحف للآثار في العالم ويضم آلاف القطع الأثرية التي تروي تاريخ الحضارة المصرية منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى العصر الإسلامي.

يهدف التمثال إلى تهيئة الزائر نفسيًا وفنيًا للدخول إلى فضاء المتحف، ويعمل بمثابة جسر بصري بين الهرم الأكبر في الجيزة والمبنى الضخم للمتحف الجديد.

قال الدكتور ضياء عوض إن «التمثال ليس تجسيدًا لفرعون بعينه، وإنما هو رمز عام للهوية المصرية الفرعونية، بأشكال هندسية مُختزلة تحمل بصمة الفن المعاصر».

وأضاف أن «الفكرة تتمحور حول استحضار عظمة الأهرامات وعقلية تصميمها المبني على الدقة الرياضية والتوازن البصري، مع إبراز روح التجديد والابتكار التي تميّز مصر اليوم».

التصميم الفني والدلالات الهندسية
يتميز التمثال بتركيب معقد يجمع بين الكتل الضخمة مسطحة السطح التي تشبه الأهرامات، والمثلثات الهندسية الدقيقة التي ترمز إلى طابع البناء الهرمي للمتحف المصري الكبير. يتكوّن الجزء السفلي من قاعدة معدنية بارتفاع 4 أمتار مصنوعة من الحديد المحلي، تعلوه كتلة تجريدية بشموخ يصل إلى 23.5 متراً.

وأوضح الدكتور ضياء أن «اختيار الحديد المحلي جاء تعبيرًا عن عمق الارتباط بالأرض المصرية وقدرتها على إنتاج خامات فنية عالية الجودة»، مشيرًا إلى أن «التقسيم الهندسي إلى زوايا وأسطح يتفاعل مع أشعة الشمس والضوء الصناعي، ما يخلق ديناميكية بصرية متغيرة طوال اليوم».

كما لفت إلى أن التفاصيل الفرعونية في الملامح، مثل تاج النمس والكوبرى والذقن المستعارة، لا تتبع المحاكاة التقليدية للتماثيل الفرعونية الواقعية، بل تُعالج بأسلوب تجريدي تكعيبي يقترب من تجارب الفن الحديث، مع المحافظة على الإيحاء بالهوية المصرية الأصيلة.

مراحل التنفيذ والتحديات الفنية
بدأ العمل على التمثال منذ عامين، شملت مرحلة التصميم الأولى تقديم عدة إسكتشات مقترحة لدرجات التشطيب والملمس الهندسي والموقع الأمثل. واجه الفريق المختص عدة تحديات لوجستية وهندسية، من بينها:

نقل وتركيب العناصر المعدنية الضخمة: استدعى استئجار ونقل رافعات قادرة على رفع قطعات يصل وزنها إلى عشرات الأطنان.

ضمان استقرار الهيكل أمام تيارات الرياح القوية: إذ يقع التمثال في منطقة مكشوفة على الطريق الصحراوي، فجرى اعتماد القاعدة العميقة ونظام توازن مركزي.

التنسيق مع الجهات الرقابية: اتصالات مستمرة مع استشاريين من وزارة الآثار والهيئة الهندسية للقوات المسلحة لضمان توافق التمثال مع الهوية المعمارية للمتحف.

أوضح أستاذ النحت أن «المدة الفعلية في التنفيذ استغرقت نحو ثمانية أشهر على الأرض، بعد أن تمت المخططات والتصاميم والموافقات الرسمية خلال عام ونصف العام الأول».

وأضاف أن «مرحلة التشطيب الحالية تشمل اختيار لون الطلاء والطلاءات المقاومة للعوامل الجوية وإضاءة ليلية تبرز العمل الفني بشكل مهيب».

إشادات الجمهور والنقاد
شهد التمثال تفاعلًا واسعًا على منصات التواصل، حيث اعتبره كثيرون «واحة للفن المصري الخالد على مساحة مستحدثة» و«تمهيدًا مبهرًا لتجربة الزائر داخل المتحف».

علّق أحد مستخدمي فيسبوك: “لوحة فنية عملاقة تجمع بين حضارة الأجداد وآفاق المستقبل”. بينما كتب ناقد فني: “التجريد الهندسي في هذا العمل يشكل امتدادًا طبيعيًا لتجارب الفن المصري المعاصر، دون التفريط في اللغة الفرعونية”.

من جانبه، وصف الدكتور محمد غنيم، أستاذ التصميم بكلية الفنون الجميلة بالمنيا، التمثال بأنه «يوازي ضخامة حجمه جمال التشكيل وبراعة التكوين والتنفيذ»، مؤكدًا أن «العمل يفرض حضورًا قويًا في الفراغ الميداني ويربط بين التقاليد والابتكار ببراعة».

أهمية التمثال في السياق الوطني
ينظر المختصون إلى التمثال كـ«معلم فني» يضاف إلى قائمة الإنجازات الثقافية التي تبرز مصر أرضًا للفن والإبداع منذ آلاف السنين وحتى اليوم. ويؤكد المشروع حرص الدولة على الدمج بين التراث العريق والابتكار المعاصر في المشروعات العامة، ما ينعكس على رفع قيمة مصر السياحية والثقافية عالميًا.

قالت وزارة الثقافة إن التمثال «يُثري المشهد الحضري ويشكل عنصر جذب إضافيًا للسياح قبل دخول المتحف»، فيما صرح محافظ الجيزة بأنّه «تم اختيار موقعه بعناية ليكون في مسار حركة السيارات القادمة من القاهرة والإسكندرية، ما يزيد من فرص رؤيته وتأمل تفاصيله».

وفي غضون أيام، سيكتمل العمل بصورة نهائية مع إضاءة ليلية خاصة تضفي حضورًا مهيبًا أثناء الاحتفالات، ليكون أحد العلامات الفارقة في واجهة المتحف المصري الكبير وأيقونة تعبر عن الهوية المصرية التي لا تنضب إبداعًا وإلهامًا.